60
60
روضة الصائم

الحاج يحيى آل ثاني: رغم صعوبة الحياة سابقا إلا أننا نستذكرها بحنين

13 أبريل 2021
13 أبريل 2021

صام أول مرة في رمضان وعمره 5 سنوات -

الجبل الأخضر ـ سعود بن بدر آل ثاني -

شهر رمضان المبارك من المناسبات التي يستذكر فيها الناس أيامهم الخوالي، ويستذكرون الآباء والأجداد الذين رحلوا عن دنيانا، كما يستذكرون الزمن الذي مر عليهم بحلوه ومره ومصاعبه ومشاقه. وهو مناسبة لشحذ الهمم نحو المستقبل ومعاهدة الله على الجد و الاجتهاد.

والحاج يحيى بن مسعود بن سعيد آل ثاني «73 عامًا» يتذكر تفاصيل الأزمنة السابقة التي مرت عليه في شهر رمضان.. يستعيدها بكثير من البهجة؛ لأنها بقيت محتفظة بروحانيتها التي اكتسبتها من الشهر الفضيل.

يقول الحاج يحيى الذي يستقبل اليوم أول أيام الشهر الفضيل: إن صوم رمضان في الجبل الأخضر أكثر يسرًا نظرًا لاعتدال الجو وانخفاض درجات الحرارة حتى في عز الصيف.

وهذا الأمر يدفع الناس للاجتهاد أكثر في العبادة وتلاوة القرآن وقيام الشهر الفضيل، وتتواصل الأعمال اليومية كالمعتاد، في الغالب؛ لأن الناس لا تجد مشقة كبيرة في الصيام.

إلا أن الحاج يحيى يتذكر كيف كانت الحياة صعبة بسبب قلة الإمكانيات المادية، وعدم توفر سبل الراحة التي يعيشها الإنسان هذه الأيام، سواء كانت في وسائل النقل أو في وسائل الاتصال والتواصل. إلا أن يحيى وكغيره من الناس يحن لتلك الأوقات الماضية، ويحن للكثير من تفاصيلها، وربما كان الحاج يحيى يحن لشبابه فيها، كيف كان شابًا يافعًا يطوف وسط هذه الجبال الشاهقة بكثير من الأمل والعزيمة.

ومن بين ما يستذكره الحاج يحيى وهو يستعيد تفاصيل السنوات الخوالي من شهر رمضان المبارك يستذكر كيف كان الناس يتسامحون وتنتشر بينهم البهجة والسرور والمحبة من قدوم شهر رمضان المبارك، فتتصافى الأنفس وتسقط الخلافات وبالتالي تشرق الوجوه المنتظرة أجر الله سبحانه وتعالى.

ويستذكر الحاج يحيى كيف كانت بداية صومه لشهر رمضان. كان يرافق والده لأداء الصلوات في المسجد، ولم يكن عمره يزيد عن خمس سنوات، وبعد أن تأكد والده من قدرته على الصوم قرر أن يلزمه الصوم، وكان عمره في ذلك الوقت خمس سنوات.

يقول الحاج يحيى: كنت أحضر مع والدي حلقات الذكر في المساجد، وألحقني حينها بمدرسة تعليم القرآن الكريم في القرية، وكنا نتعلم القرآن وشؤون الدين، وكان المعلم شديدا معنا كثيرا ولم نكن نسلم من عصاه الغليظة إذا رأى أننا نحتاج إلى التأديب خاصة إذا لم نحسن تلاوة القرآن وتدبر معانيه. يصمت الحاج قليلا قبل أن يعود للقول: كانت تلك العصا تساعدنا في الاجتهاد أكثر وتحمل مشاق ومتاعب الحياة.

وعن كيفية رؤية هلال شهر رمضان في تلك السنوات البعيدة يقول الحاج يحيى: كان الناس يجتمعون في آخر يوم من شهر شعبان لاستطلاع الهلال وتحريه فإذا شاهد الناس الهلال نووا الصوم وإلا فإنهم يكملون عدة شعبان 30 يومًا، ولم نكن ننتظر أن يأتي الخبر عبر التلفزيون فلم يكن كل هذا موجودًا في تلك السنوات الخوالي.. وإذا ثبتت رؤية الهلال يبدأ الناس في السلام على بعضهم البعض والتسامح ويجتهدون في العبادة من أول ليلة من ليالي رمضان وإلى آخر ليلة من لياليه.

كما يجتهدون كثيرًا في أداء صلاة التراويح وفي قيام ليالي الشهر ويصلون الأرحام ويخرجون صدقاتهم للفقراء والمحتاجين راجين الثواب من الله سبحانه وتعالى.

ويضيف الحاج يحيى: إن شهر رمضان كان على الدوام شهر خير وبركة يكثر فيه التراحم بين الناس والتعاون، وتظهر فيه معاني الجيرة الطيبة والتكاتف الاجتماعي.

ومن الذكريات التي لا ينساها الحاج يحيى كيف تتحول شوارع القرية إلى حركة حثيثة قبيل آذان المغرب، حيث يتبادل الناس الأكلات التي يعدونها في بيوتهم، وهي رغم بساطتها إلا أنها تضفي طابعا جميلا ومحببا لدى الجميع وكذلك الإفطار الجماعي الذي يتجمع فيه الناس على طبق واحد ما يكرس فكرة المحبة والتقارب بين الجميع. ومن الذكريات الجميلة أن يتجمع الناس على قهوة واحدة فيما بعد الإفطار الأمر الذي يعطي الشهر متعة كبيرة تضاعف المحبة بين الناس.

وعن طريقة التزود بالاحتياجات اليومية خلال شهر رمضان يقول الحاج يحيى: لم تكن لدينا محلات تجارية في الجبل الأخضر، وننقل احتياجاتنا على ظهور الحمير من الأسواق المجاورة في نزوى أو بركة الموز أو إزكي أو وادي بني خروص والرستاق، حيث نقوم بشراء احتياجاتنا من الأزر والطحين والتمر وغيرها من المواد الغذائية المتوفرة، وكذلك والملابس. لكن، يكمل الحاج يحيى حديثه، لا نستطيع قطع المسافات الطويلة مشيًا ونحن على صيام ولذلك ننوي الإفطار من الليل بنية السفر ونعيد اليوم التي نعتزم شد رحالنا إليها بعد أداء صلاة الفجر لتجنب شدة حرارة الشمس، وكان الجيران يطلبون منا أن نشتري لهم بعض الاحتياجات من السوق، وكنا نفضل السفر جماعة من أجل التعاون لرفع وتنزيل الحمولة من على ظهور الحمير. وأحيانًا تصادفنا مواقف صعبة في الطريق منها هطول الأمطار وجريان الأودية، وإذا تعثر الحمار ووقعت الحمولة من ظهره، كذلك إذا أصيب أحدنا من انزلاق من على سفوح الجبال.. كان الأمر شاقًا جدًا ولكن نتذكره اليوم بنفس راضية وحامدة لله سبحانه على نعمه الذي جعلنا نعيش اليوم في رفاهة وراحة.

لكن أكثر ما يحزن الحاج يحيى اليوم أن يأتي الشهر الفضيل وهو والجميع لا يستطيعون الذهاب إلى المساجد ولا التجمع لصلاة التراويح أو للإفطار الجماعي.. يغالب الحاج يحيى الدمعة وهو يدعو الله أن يرفع البلاء والوباء ليعود الناس إلى حياتهم اليومية الطبيعية ويعودوا إلى مساجدهم.